الضمير النائم ( الجزء الثاني عشر)
ظلت أنجليا غارقة في غيبوبة طيلة أسابيع،
استيقظت بعدها لتجد نفسها في
غرفة جميلة ذات لون وردي غامق و طاولة ذات لون
كستنائي، حركت رأسها ببطء فرأت ماري الشقراء، لم تتذكر أنجليا المكان و لم تتذكر
ماري، لم تتذكر كاثرين و لا البيت الكبير و السيدة كاميلا، باختصار حين استيقظت أنجليا
...
استيقظت فاقدة للذاكرة فاستغل الجميع الموقف و
أقنعوها بأن اسمها إنجي، و لم تجد أنجليا من يساعدها أو ينقذها من دائرة الشك التي
تعيش فيها، فهي لم تقتنع باسمها الجديد و لا بأنها كانت من أشهر بنات البار و لكن
لم تستطع المقاومة أكثر.
فقصوا شعرها، و أصبحت إنجي فعلا من بنات
البار المشهورات و من المقربات للسيدة كاميلا.
لم
تسقط أنجليا بإرادتها في هذا المستنقع الوحل إلا بعد أن فقدت ذاكرتها و أصبحت إنجي،
فانجرفت في تيار شديد القوة و عاشت سنين من عمرها،
و ذاع صيتها هي و ماري و زميلاتها و قاموا
بثورة على السيدة كاميلا و تركوا البيت الكبير ليعملن وحدهن في البار، و لم يمض وقت
طويل حتى اشتهرت شهرة واسعة، و لكن في داخل عقلها الباطن هناك شيء يقلقها و ينغص
عليها حياتها، هناك شيء يعارض تصرفاتها...!
لم
تدرِ ما هو مع أنها كانت تمتلك منزلاً و لديها من المال ما يكفيها، و لديها
خادمتها المخلصة فريكا.
دوام
الحال من المحال فبعد أن تنقلت كثيرا في
قيود الذل و الاستعباد، أصبحت بفعل المال سيدة لها شأنها، و ها هي الآن من أشهر
فتيات الهوى و تمتلك مالاً و منزلاً و خادمة ، و لكن وسط كل هذا ما زال هناك شيء
لم تتذكره إنجي .
شاء
القدر أن تلتقيها فتاة في العشرين من عمرها حين رأتها الفتاة انفجرت باكية ، لم
تفهم إنجي أي شيء ، تحدثت الفتاة بصوت متقطع : أنا ..أنا .. كاثرين يا أنجليا ،
للأسف لم أتوقع أنك.... و لم تستطع أن تكمل.
قالت
إنجي : أنا لست أنجليا يا فتاة ، لقد أخطأت بلا شك ، أنا اسمي إنجي . أخرجت كاثرين قبعة من القش
صغيرة الحجم بدا عليها القدم و قالت بصوت
تخنقه العبرة: أتذكرين هذه يا أنجليا ، أمسكت إنجي القبعة ، أحست بشيء ما و
قشعريرة تسري في أجزاء جسدها و هي تمسك قبعة قديمة من القش، حدقت في كاثرين طويلاً
.
قالت
كاثرين : انظري إلي ألا تتذكرين الأيام التي قضيناها معاً ؟ّ!! تذكري جوليان و
كاثرين الصغيرة، تذكري ابنك شارلينو الصغير ، تذكري حلمك بالسفر لأفريقيا .
اندفعت كاثرين و عانقت إنجي بقوة ، لم تتحرك
إنجي .
أغمضت عينيها في محاولة للتذكر و لكن فجأة
اجتاحها صداع فظيع لم تستطع معه إلا أن تطرد كاثرين و عادت إلي غرفتها تبكي ترى من
أنا ....
من أنجليا
هذه؟ أتراها من أهلي ؟ هل قررت مرة أن
أزور أهلي و لكن .... لم تستطع أنجليا نسيان كاثرين و لكن نسيت موضوعها فترة لإنشغالها بأمر حملها مجددا و لم يكن يشكل
والده أي فرق بالنسبة لها و لكنها حرصت على الحفاظ عليه، و بالفعل أنجبت طفلاً يشبهها ، حين سئلت عن اسمه لم تتردد كثيراً حين
سمته شارلي ، لم تدرِ لم اختارت هذا الإسم لكنها أحست بشيء ما، ولكن لم يلبث شارلي
الصغير يومين حتى اختفى ، جن جنون إنجي و قررت البحث عنه ، عارضتها ماري ، و لكنها
لم ترض و لم يهدأ لها بال ، فتركت البار و أخذت حصتها من المبالغ الطائلة ، و قررت
البحث عن شارلي الصغير .
أخبرت الشرطة و أجّرت مفتشين
و لكن النتيجة كانت أن عثروا عليه ميتاً بجوار صندوق القمامة.
كانت إنجي تقترب من العقد
الرابع من عمرها وقد انهارت وأصبحت تنتابها نوبات من البكاء الهيستيري، واعتزلت
الناس و تركت البار و أشياء كثيرة أخرى، لقد اجتاحها إحساس بالكآبة و الوحدة،
فللكآبة أيد حريرية الملامس قوية الأعصاب حين تشدها فإنها تقبض على القلوب و
تؤلمها بوحدة قاتلة، فالوحدة و الكآبة حليفتان دائمتان.
وها هي الآن تعيش في منزل
كبير مع خادمتها المخلصة (فريكا) و تزورها من حين لآخر، زميلاتها ماري و إيزابيل و
تيرا كن قد توقفن أيضاً عن العمل في البار، و تزوجت ماري وإيزابيل أما تيرا فقد
تحولت للغناء.
*************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق