حكمة
جانا
صرخت الأم في ابنتها جانا قائلة :
- انتبهي في طريقك للبقالة من
التيارات البحرية .
ردت جانا بتأفف من نصائح أمها
المتكررة و خرجت ذاهبة لتحضر أغراض المنزل التي حفرت على ظهر صدفة ملونة . جانا و
أسرتها السمكية انتقلوا للعيش حديثا في مدينة المرجان التي تقع أسفل أعماق مدينة
العجائب التي بجوارها منطقة البركان النائم الذي يخيف كل كائنات الأعماق على حد
سواء .
أسرة جانا السمكية تتكون من الأم
السمكية موزوا و الأب السمكي بيكاسو الذي كان ضخم الهيئة ، و كان فيما سبق عمدة و
تم تنحيته من منصبه بمؤامرة خبيثة شارك فيها أعداؤه كالأخطبوط المشعوذ و السلطعون
المكار ، فرحل الأب بأسرته الصغيرة المكونة من ابنته جانا و شقيقها بيركو بعد أن
فقدوا أختهم الصغرى دونا في رحلة عبورهم في البركان النائم و دهاليزه المخيفة ذات
المتاهات المتعددة . حين وصلوا مدينة المرجان رحب بهم الحاكم أيّما ترحيب و جهزلهم
مسكنا مناسبا بجوار الشعب المرجانية . كان بيتهم جميلا لكن جانا تحن لبيتهم القديم
في القرية حيث كانت ابنه العمدة المحبوبة و لها الكثير من الصديقات ، و لكن بعد
المشكلات التي حدثت لوالدها واضطر بعدها للانسحاب و بدأت رحلة الهجرة لمدينة
المرجان. كانت الرحلة شديدة الخطورة و فقدت خلالها أختها دونا السمكة الصغيرة و
أصيبت هي إصابة عنيفة فقدت على أثرها زعنفتها الجميلة و أصبحت سمكة مشوهة ، و الكل
في المدينة الجديدة يعلق عليها أثناء مرورها ،بعد أن كانت جانا سمكة زاهية الألوان
، رائعة المنظر ، حين تسبح يشير إليها الجميع ، متباهية بشكلها و زعانفها الجذابة.
لذا كانت جانا تكره المراسيل المتكررة لأمها موزوا ، و لكن لم يكن بيدها
حيلة ، فأخيها بيركو كان يذهب مع أبيه كل يوم ، و في ذلك اليوم الذي زعمت فيه جانا
بأنها الأقوى و رغم تحذير أمها لها من التيارات البحرية التي قد تهب فجأة و تجرف الأسماك
. فإن ذلك ما حدث بالفعل...
كانت جانا في طريقها المعتاد ، و سمعت تلك التعليقات الجارحة بشأن إعاقتها
، فتوقفت لحظة و نظرت لتلك الأسماك الصغيرة التي راحت تضحك عليها و لم تنتبه في
ذلك الوقت أنها تقف في منتصف طريق التيارات و في غضون ثوانٍ لم تعِ جانا ما حدث
حيث ضربتها موجة من التيارات البحرية العنيفة و أخذتها معها و جرفتها بعيدا لتجد
نفسها حبيسة شبكة كبيرة ، و ماهي إلا دقائق حتى رفع الصياد شبكته ووجد جانا
المسكينة تبكي ، غضب الصياد كثيرا لأنه بعد طول انتظار لم يجد سوى سمكة ناقصة ،
هزها الصياد بعنف فارتعدت جانا خائفة تنتظر مصيرها المحتوم .
قال الصياد : ماذا أفعل بك أيتها الخرقاء ، ذات الزعنفة المقطوعة ؟!...
ارتجفت جانا و لكن الصياد سرعان ما ألقى بها مجددا في البحر و هو يندب حظه
العاثر . سقطت جانا في البحر و هي تكاد لا تصدق ما حدث لها ، لقد كانت تلك الإصابة
سبب نجاتها من الصياد الطماع و حين استقرت في البحر ووصلت إلى قاعه وجدت نفسها
بجوار البركان النائم ، حاولت جانا أن تبحث عن طريق للخروج و العودة للمنزل .
بدأت جانا جاهدة تبحث عن طريق لتجاوز المتاهات المتعددة ، و فجأة ظهر لها
التمساح العجوز مندورا ، تأملها جيدا و هو يقول :
- لقد كنت أراقبك .
تراجعت جانا مذعورة منه و لكنه قال
مطمئنا لها :
- لا عليك يا ابنتي الصغيرة ، لقد رأيت ما حدث معك مع الصياد الجشع الذي
ألقى بك لأنك مشوهة و ناقصة في نظره ، أتعلمين أن الصياد لم يصطد شيئا اليوم ، لقد
عاد خالي اليدين . ابتسمت جانا و قالت:
- لقد أنقذتني إعاقتي و أنا التي
كنت أخجل منها .
اقترب التمساح أكثر منها و قال :
- أنت تشبهين شخصا أعرفه .
تعجبت جانا و أشارت بوجهها :
- من؟!!
أتاها صوت من خلفها يقول ببراءة :
- أنا .. أنا .
دارت جانا حول نفسها لتجد شقيقتها الصغرى دونا واقفة ، صرخت جانا بسعادة
واندفعت تعانق أختها .
قالت جانا : ظننا أنك مت و قد فقدناك للأبد .
ابتسمت دونا و قالت :
- كنت على وشك الهلاك لولا التمساح الطيب الذي أنقذني و جعلني أعيش معه .
هنا تدخل التمساح الطيب لإرشادهما لطريق العودة وودعهما بعد أن أعطى جانا
أدلة تؤكد براءة أبيها و تثبت مسؤولية الأخطبوط المشعوذ و السلطعون المكار في كل
المشاكل التي حدثت ، و هكذا أعيد حاكما لمدينته ليكون العمدة و عادت جانا و دونا
سعيدتين و قد تعلمت جانا أن بإمكانها النجاح برغم الإعاقة و أن الإعاقة تعطي
الدافع الحقيقي للانطلاق نحو الأمام قال تعالى :( و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير
لكم ).
دمتم بخير
مع تحيات : سمراء النيل (د.سلمى النور )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق